دارت في زهني احدي المقالات التي تنبأت بما يحدث الآن وبما سيحدث في المستقبل القريب جدا وذلك هو الهدف الاسمي الذي تم وضعه لحكام الدول العربيه منذ ان تم تقسيم العالم العربي بين انجلترا وفرنسا في الزمن الغابر
واليكم هذه المقاله لتعلموا ما يدبر لمصرنا ولعالمنا العربي
منقول من جريدة الاهرام القاهرية في يوم الجمعة 14 مايو 2010
هوامش حرة
مقال بقلم الاستاذ فاروق جويدة
fgoweda@ahram.org.eg
جريدة الاهرام القاهرية
الجمعة 14 مايو 2010-05-14
صفحة رقم 41
لم يقتصر غياب مصر عن العالم العربي علي الدور الثقافي رغم انه كان اهم واخطر الادوار علي الاطلاق ولكن الغياب كان واضحا في اشياء اخري كثيرة .. في العمالة المصرية التي تراجعت كثيرا .. وفي العلاقات التجارية والسياسية التي اصابها شحوب طويل .. وفي الوجود المصري الذي كان يشع دائما بكل ما هو راق وجميل في الاخلاق والسلوك والقيم .. كل الشواهد الآن تقول إن دور مصر لم يعد كما كان امام تدفقات بشرية جاءت من كل لون وجنس تبحث عن آفاق للآستثمار والعمل والانتاج .. إن النموذج الواضح والصريح الذي يؤكد الغياب المصري ما حدث في دول الخليج العربي أكبر مصادر الدخل والثروة .. واكثر الدول التي شهدت انتفاضة اقتصادية وحضارية وانسانية في السنوات الاخيرة وأكبر منطقة كان للمصريين فيها رصيدا طويل من العلاقات الطيبة والود العميق .. وأكبر منطقة توافد إليها الملايين من دول آسيا وأوروبا وأفريقيا .. لقد تغيرت أشياء كثيرة في منطقة الخليج العربي أمام غياب مصري كامل .. إنهم يتساءلون هناك : أين مصر التي أحببناها وكانت لنا القدوة والعون والدليل ؟
في مؤسسة قطر التي تضم فروعا لست جامعات أمريكية كبري سألت د. جون مارجوليس استاذ الصحافة وعميد كلية نورث ويسترن للصحافة و الاعلام في المؤسسة ماهو الموقف بالنسبة لتدريس اللغة العربية في أقسام الصحافة والاعلام فقال لا توجد برامج لتدريس اللغة العربية لدينا علي الاطلاق وان الدراسة في كل الكليات باللغة الانجليزية فقط ، قلت هذا جائز في دراسة الطب والهندسة ولكن اقسام الصحافة والاعلام يتخرج منها اشخاص يعملون في اجهزة الاعلام في الدول العربية واللغة العربية هي أساس المخاطبة والتفاهم والحوار .. قال هذا جائز في مصر حيث يتحدث 80 مليون مواطن مصري باللغة العربية ولكن هنا في دول الخليج كل الاجيال الجديدة لاتتحدث اللغة العربية الجميع يتحدث الانجليزية ، نحن هنا نطبق النموذج الامريكي في الحياة وطن واحد متعدد الجنسيات والعقائد واللغات والانجليزية هنا هي المستقبل ، وتساءل د.جون هل تعتقد أن الخليج العربي سيبقي عربيا .. إن اغلبية السكان هنا من الهنود والباكستانيين والايرانيين والاوروبيين ومن جنسيات أخري عديدة ولكل جنسية لغتها ولكن الذي يجمعهم هو اللغة الانجليزية وليست اللغة العربية ، كما أن العمل في المؤسسات الخاصة والعامة يجري باللغة الانجليزية .. الخليج سيكون في المستقبل نموذا يشبه ما حدث في امريكا .. ولن يبقي الخليج عربيا؟
لآبد ان اعترف انني اصبت بصدمة عنيفة من حديث الاستاذ الامريكي الذي يقوم بتدريس الاعلام والصحافة في دولة عربية وليس امامه طالب واحد يتحدث العربية ، وللأسف الشديد ان هذا لا يحدث في قطر وحدها ولكن في كل العواصم العربية ابتداء بالقاهرة عاصمة الثقافة العربية وانتهاء بدول الخليج حيث اصبحت اللغة العربية غريبة تماما في المدارس والجامعات الاجنبية التي انتشرت في كل ربوع العالم العربي ..
توقفت بعد هذا الحديث امام عدة ارقام مخيفة .. إن في دول الخليج الست : السعودية والامارات والكويت وقطر والبحرين وعمان 13مليون اجنبي يمثلون 37% من حجم سكان هذه الدول الذي يبلغ 35 مليون نسمة .. في دولة قطر علي سبيل المثال 81% من العمالة جاءت من آسيا و 5% فقط من الدول العربية .. يضاف لذلك أن عدد السكان العرب في دول الخليج اصبح هو الأقلية بينما الأغلبية من العاملين الأجانب .. ان أهالي قطر يمثلون 30% من السكان وأهالي الكويت 44% من السكان والبحرين 49% والامارات أقٌل من 20% من السكان .. وفي دولة الامارات العربية يبلغ عدد العاملين في أجهزة الدولة 630 الف عامل من بينهم 255 الفا فقط من المواطنين الاماراتيين ..
إن السبب في ذلك ان العمالة القادمة من دول آسيا والهند وباكستان والصين عمالة رخيصة .. وتمارس الولاء الأعمي وتؤدي جميع الاعمال المطلوبة منها .. ولكن هذا العمالة التي ستصل حسب تقديرات دولية الي 30 مليون نسمة خلال السنوات العشر القادمة يمكن ان تتحول الي قوي ضغط سياسي وتجد دعما خارجيا اذا حصلت علي قرار دولي بالتوطين في دول الخليج .. كما ان هذه الاجناس الوافدة غيرت اشياء كثيرة في السلوك والقيم والعادات والتقاليد في دول الخليج .. ومن بين هذه الاقليات من حصل علي حقوق سياسية في الانتخابات التشريعية التي جرت في بعض الدول كما حدث مع المواطنين الايرانيين في الكويت وعمان وقد يحصل الهنود والباكستانيون والصينيون والافغان علي حق التصويت في اي انتخابات قادمة تجري تحت رقابة دولية في دول الخليج في المستقبل القريب .. هناك آثار كثيرة ترتبت علي هذه المتغيرات في دول الخليج .. لقد انتشر المذهب الشيعي دينيا .. وأختفت اللغة العربية في المدارس والجامعات والمناهج التعليمية امام آلاف المدارسة الاجنبية بل ان هناك لهجة خليجية مهجنة يستخدمها الاجانب الان مع الاجيال الجديدة من ابناء الخليج .. كما ان المشروعات الضخمة فتحت آفاقا أوسع للعمالة الاوروبية المميزة التي سيطرت تماما علي المشروعات الكبري في البناء والصناعة والزراعة والبتروكيماويات ..
وبعيدا عن الاستثمارات الضخمة التي تقوم بها الشركات الامريكية والاوروبية والاسيوية وهي بآلاف الملايين فإن التحويلات الاجنبية في دول الخليج قد بلغت 27 مليار دولار سنويا اي حوالي 150 مليار جنيه مصري في صورة رواتب للعاملين الاجانب يهذه الدول ويزيد عددهم علي 13 مليون واقد ..
لقد تحدثت عن هذه القضايا مع وزير الثقافة القطري د.حمد الكواري وأكد : أننا ندرك أبعاد هذه القضايا ثقافيا وسياسيا ودينيا وان اللغة العربية في مقدمة اولوياتنا علي كل المستويات تعليما واعلاما وثقافة في الفترة الحالية لأن القضية بالفعل في غاية الخطورة ..
أردت من ذلك كله ان اضع صورة موجزة للمتغيرات علي كل المستويات والنموذج هنا ما حدث لدول الخليج وما تركه غياب مصر عن محيطها العربي ..
لقد تغير المناخ الثقافي في هذه الدول امام غياب المدرس المصري والطبيب المصري .. والعالم الأزهري .. وامام المسجد واستاذ الجامعة واصبحت اللغة العربية التي كان الازهر الشريف أحد حصونها مهددة بالانقارض في هذه الدول ..
إن الملايين الذين يعملون في كل المهن والاعمال الحرفية والمكتبية والتدريس والطب والصيدلة .. والزراعة .. والصناعة .. كل هذه الأعمال كان الاولي بها الملايين من الشباب المصري العاطل الذي يبحث عن عمل وكان اولي بها الملايين الذين خرجوا علي المعاش المبكر وينامون الآن امام مجلس الشعب ومجلس الوزراء ..
ان الجامعات التي اقيمت في زمان مضي علي الكفاءات المصرية من العلماء والاساتذة والباحثين قد تغيرت الآن تماما حيث يتصدر الساحة فيها الاساتذة الأمريكان والانجليز لأن معظم الجامعات الجديدة التي اقيمت في دول الخليج جامعات علمية حديثة تعتمد علي التكنولوجيات المتقدمة في الطب والابحاث والاتصالات والهندسة والصناعات المتقدمة واساليب الزراعة الحديثة في نظم الري وتحلية مياه البحر والمياه الجوفية ..
لنا ان نتصور حجم المشروعات التي اقيمت في دول الخليج في السنوات العشر الماضية في المطارات والمنشآت والعقارات والبنوك والمصانع والمدارس والجامعات ودور مصر في ذلك كله .. لقد انسحبت مصر من كل هذه الانشطة الضخمة رقم ان بدايات هذه الدول كانت علي ايد مصرية في مطاراتها الأولي .. وجامعاتها ومدارسها ومستشفياتها وبنوكها ومؤسساتها .. ولكننا تخلينا عن ذلك كله راغبين او مكرهين لتفتح هذه الدول ابوابها للشركات الامريكية والاوروبية الضخمة التي استطاعت ان تحصل علي كل هذه البلايين ..
لقد غابت مصر اقتصاديا عن هذه الدول واضاعت علي الشعب المصري الملايين من فرص العمل والوظائف والحياة الكريمة واكتفي المسئولون عندنا بتوزيع ما بقي من ثروات هذا الشعب بينهم في الاراضي والمشروعات ما بين خصخصة الارض وخصخصة المشروعات ..
سمعت هذه الحكاية وهي مؤلمة للغاية من صديق مصري يعيش في الخليج ..
مسئول عربي خليجي قال لي إن أي مسؤول مصري يزورنا الآن يحمل حقيبتين الحقيبة الأولي فيها مشروعاته الخاصة ويبدأ بها واذا بقي شيء من الوقت يفتح الحقيبة الثانية ويتحدث عن مصالح مصر وما يرده منا ..
هذا هو حالنا وحال المسئولين عندنا الآن ..
لقد غابت مصر ثقافيا بمدرسيها . واساتذتها .. ومشايخها .. وفنونها .. وافلامها وتركت الفرصة واسعة لقوي أخري استطاعت ان تلعب دورا رهيبا في تغيير ملامح وثقافة ولغة هذه الدول امام حشود وافدة من كل دول العالم بلغاته وجنسياته ومطامعه ..
لقد ابت مصر إنسانيا وكانت هي الاقرب الي هذه الدول في العقيدة واللغة والتاريخ والعادات والتقاليد وانسحبت مصر من مجتمعات كانت اولالي بنا وكنا الاولي بها في كل شيء فهناك روابط كثيرة جمعتنا وهناك تاريخ طويل وحدنا .. ولكننا تخلينا عن ذلك كله ..
وللأسف الشديد لقد كانت المسئولية مسئولية مشتركة عندما تراجعت الثقافة المصرية ن لم يعد لدينا هذا الحشد الرائع من المثقفين الكبار ولم يعد لدينا ما نقدمه من الفن الجاد الذي يليق بنا .. ولم يعد لدينا التعليم المصري الذي يضع المدرس والأستاذ والمنهج في المقدمة ولم يعد لدينا الأغنية الجميلة التي تتجاوز الحدود .. حين كانت لدينا كل هذه الأشياء تفتحت أمامنا كل الأبواب وحين ساءت أحوالينا اصبحنا لعبة في يد الكويز والشركات الأمريكية والأوروربقية متعددة الجنسيات التنشر كل يوم فضائح العمولات والرشاوي واستطاعت أن تخلع مصر من محيطها العربي وتسيطر علي كل موارد وإمكانيات المنطقة العربية ..
لحساب من فرطنا في عمقنا البشري والجغرافي والحضاري لقد اغرفتنا القرية الذكية في اشياء كثيرة غير نظيفة وغير ذكية .. بقدر ما أزعجتني كلمات الأستاذ الأمريكي عن مستقبل الخليج العربي وهل يبقي عربيا بقدر ما دار في رأسي أكثر من سؤال ؟.ز هلي ممكن أن يترك غياب مصر كل هذه الآثار السلبية علي العالم العربي .. وهل يمكن أن يكون المستقبل بهذه الصورة القاتمة ؟.. واذا كان العالم العربي مهددا بهذه الصورة في لغته ودينه وتاريخه وهويته .. فلن تكون مصر بعيدة عن ذلك كله لأن الهدف واحد .. والعدو أيضا واحد والمؤامرة تحاصرنا جميعا ولا عاصم اليوم من أمر الله ..
إن الحكمة تقتضي أن نعيد ما بقي من جسور المودة والتواصل الرسمي بين أصحاب القرار والمستوي الشعبي بين تيارات كثيرة ما زالت تؤمن بمستقبل يليبق بهذه الأمة ..
لم أكن أتصور أن يترك غياب مصر كل هذا الفراغ المخيف ويبدو أننا ندفع الآن الثمن ..
" أنتهت المقالة "
والتي حركت خنجر الالم في صدري وانا اكتبها لكم بدلا من تصويرها حيث ان عند تصويرها تصبح باهته لاتقرأ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق